صعوبات التعلم: مفهومها، أنواعها، وكيفية علاجها
صعوبات التعلم هي واحدة من أخطر المشكلات التي يواجهها العاملون في مجال التدريس بشكل عام والمربيون بشكل خاص، كما أن عدد الطلاب الذين يعانون من صعوبات التعلم يمثل قطاع كبير لا يمكن إغفاله من إجمالي الطلاب داخل المنظومة التعليمية، لذلك من خلال مقالنا اليوم نتعرف على أبرز صعوبات التعلم الشائعة في عصرنا وكيفية التعامل معها والتغلب عليها من أجل تحقيق مستقبل أفضل لأبنائنا.
مفهوم صعوبات التعلم
تعد صعوبات التعلم من أهم محاور مجال التربية الخاصة، وكمثل كثير من المفاهيم التربوية والاضطرابات المتعلقة بها لا يوجد تعريف ثابت يجمع عليه علماء التربية والتربية الخاصة، ولكن بوجه عام يمكننا القول أن صعوبات التعلم هي اضطرابات تصيب المتعلم فيما يتعلق بمهارات التحصيل، مثل مهارات التذكر والاستدراك، أو المهارات العقلية والحسابية، أو مهارات مرتبطة بالقراءة وغيرها من أنماط صعوبات التعلم التي يواجهها كثير من الطلاب.
ورغم تعدد التعريفات لصعوبات التعلم حتى يصعب حصرها، إلا أن هناك مجموعة من التعريفات المعمول بها في مجال التربية الخاصة، ومن أبرزها:
- تعريف جمعية الأطفال والراشدين ذوي الصعوبات الأمريكية: عرفت هذه الجمعية صعوبات التعلم بأنها حالة تنشأ بسبب عوامل أصلها يرجع لتداخل الأعصاب المسئولة عن إحداث عملية النمو فيما يخص قدرات الطفل العقلية مما يتسبب في حدوث إعاقة بنسب تختلف من فرد لآخر.
- تعريف العالم كيرك: يرى كيرك أن صعوبات التعلم هي مجموعة من الاضطرابات المتعلقة بمهارات التواصل مثل الكلام والقراءة واللغة، ويرى أنها تختلف تمامًا عن الإعاقات العقلية والحسية.
- تعريف الجمعية الوطنية الاستشارية للأطفال المعاقين: قامت الجمعية بتعريف صعوبات التعلم على أنها اضطراب يحدث في واحدة من العمليات النفسية للطفل والمسئولة عن استخدام اللغة سواء عن طريق القراءة أو التواصل أو حتى التفكير، ويكون مصدرها وجود خلل دماغي في وظيفة ما بجزء من المخ ولا ترتبط على الإطلاق بالإعاقات العقلية.
أنواع صعوبات التعلم
تختلف صعوبات التعلم التي يعاني منها طفل أو طالب بينه وبين غيره، ومن الممكن أن يعاني الطفل الواحد من أكثر من نوع من صعوبات التعلم، ويكون لكل نوع أسباب خاصة وطرق محددة للتعامل معها وعلاجها، كما أن الخطة الزمنية تختلف تبعًا لدرجة تطور الحالة والتي قد تكون بسيطة أو في غاية التعقيد، لذلك من خلال السطور القادمة نتعرف على أبرز أنواع صعوبات التعلم بشكل مفصل.
صعوبات القراءة
صعوبة التعلم الخاصة بالقراءة أو المعروفة علميًا بإسم Dyslexia من أكثر أنواع وحالات صعوبات التعلم انتشارًا، والتي تستوجب إيجاد طرق علاج ضعف التحصيل الدراسي الناجم عنها، ومن أبرز مظاهر صعوبات القراءة:
- يجد الأطفال الذين يعانون من مرض الديسليكسيا مشكلة كبيرة في فهم النصوص وترجمتها إلى معنى، وذلك لأن عملية القراءة عملية مركبة تتضمن تناسقًا ذهنيًا وحركيًا بجانب دعم خارجي.
- يمكن أن يرجع السبب في وجود صعوبة قراءة لدى الطفل في قصور إحدى الجوانب اللازمة للاستفادة من عملية القراءة، كوجود مشكلة ذهنية أو في معرفة المعنى نفسه بعد القراءة.
- قد تحدث صعوبة القراءة بسبب مشكلة مرتبطة لدى الطفل بالمثيرات السمعية، فرغم عدم وجود مشكلة في السمع لدى الطفل إلا أنه يعاني عند القراءة من تمييز أصوات الحروف وبالتالي تكون المشكلة في اللفظ وفهم المعنى المعبر عنه.
- طبقًا للجمعية الأمريكية للديسليكسيا فإن صعوبة القراءة في الأساس هي خلل عصبي متوارث من الأسلاف ويسبب إعاقة في فهم اللغة والمترادفات أو إمكانية الوصول للمعنى.
- من الناحية التربوية تعرف صعوبة القراءة على أنها صعوبة التعلم تحدث بسبب تنمية القدرات العقلية للطفل بشكل غير منتظم ومعد بشكل صحيح، وعدم مراعاة القدرات الفردية للأطفال خلال فترات تنميتهم وتعليمهم الأولى.
- تختلف مظاهر صعوبات القراءة بين فرد وآخر، فقد تظهر على هيئة مشكلة في تمييز الحروف المتشابهة، أو في الكلام والإصغاء، أو في القراءة الجهرية، أو في تحليل الكلمات لمقاطع صوتية.
صعوبات الكتابة
تأتي صعوبات الكتابة في المرتبة التالية في صعوبات التعلم عقب صعوبات القراءة، وتعرف باسم القصور التصويري “Dysgraphia” وذلك لأنها تمثل مشكلة في عملية الإنسجام بين الحركة والبصر، ويمكن تلخيص أبرز مظاهرها فيما يلي:
- صعوبة الكتابة هي صعوبة التعلم التي يكون فيها الطفل غير قادر على تحديد حجم وشكل الحرف بشكل صحيح، وعدم تقدير المسافات بين الحروف والكلمات.
- من مظاهر صعوبة الكتابة لدى بعض الأطفال عدم القدرة على تمييز اتجاهات الحروف والأرقام، وكتابتها معكوسة كما تظهر صورتها في المرآة، أو الكتابة العربية من اليسار بدلًا من اليمين والعكس في اللغات الأجنبية.
- بعض حالات صعوبات الكتابة تكون أقل حدة، حيث يحدث الخلط لدى الطفل حين تكون بعض الحروف المتشابهة متتابعة، فيقوم بتبديل الحروف وكتابة الكلمات بشكل غير صحيح.
- صعوبات الكتابة تنطوي أيضًا على بعض المظاهر الأخرى مثل صعوبة في التهجئة أو تنظيم الخط أو القدرة التعبيرية واللغوية.
عسر الحساب
عسر الحساب أو الرياضيات والمعروف باسم “Dyscalculia” هو صعوبة التعلم المتعلقة بفهم وتلقي مادة الرياضيات، ويكون السبب الرئيسي فيها خللًا عصبيًا في المنطقة المرتبطة بالتعامل مع المفاهيم الرياضية الموجودة في الجهاز العصبي المركزي.
صعوبة الرياضيات هي صعوبة التعلم التي تظهر من بداية المرحلة الابتدائية وقد تستمر لمراحل المراهقة والمراحل ما قبل الجامعية، ومن أهم مظاهرها ما يلي:
- ترجع أسباب حدوث صعوبات الرياضيات إلى عدة عوامل منها الحركية والانفعالية والمعرفية والجسمية أيضًا، ويمثل عدد الطلاب المصابون بها نسبة 26% من إجمالي الطلاب المصابون بصعوبات التعلم بوجه عام.
- من مظاهر صعوبة التعلم في مادة الرياضيات عدم فهم الصيغ الحسابية أو الرموز الرياضية والعلامات، أو صعوبة التعبير عنها بشكل لفظي، بالإضافة لصعوبة معالجة المعاملات الرياضية وحساب الأرقام.
- قد تكون صعوبة التعلم لمادة الرياضيات سببها وجود قصور في مراكز الذاكرة، حيث أن مادة الرياضيات يتم فيها الاعتماد بشكل كبير على عملية التذكر.
- بعض حالات عسر الرياضيات تعاني من عدم استيعاب للقيم المكانية للأعداد، فلا تفرق بين الآحاد والعشرات والمئات وغيرها، أو مشكلة في تمييز اتجاهات الرموز والأرقام، أو فقدان التركيز في المسائل ذات الخطوات المتعددة.
اضطراب المعالجة السمعية
اضطراب المعالجة السمعية هو نوع من اضطرابات التعلم التي تصيب عدد من الأطفال والطلاب والذي غالبًا ما يقترن بصعوبات القراءة والكتابة، ومن أهم مظاهره ما يلي:
- عدم قدرة الطالب على تحديد مصادر الأصوات واتجاهاتها، أو استيعاب الغرض من بعض الجمل بشكل مباشر.
- التشتت وعدم الفهم في وجود عدة أصوات محيطة بالطالب والانتباه لصوت محدد وتجاهل باقي الأصوات حتى لو كانت منخفضة الحدة.
- استغراق وقت طويل في استيعاب الأوامر ومعالجتها والرد عليها بسرعة مناسبة.
- صعوبة تعلم بعض المجالات المتعلقة بعلوم الأصوات مثل اللغات المختلفة أو الموسيقى والغناء.
- يمكن أن تكون أسباب اضطراب المعالجة السمعية متعلقة بوجود مشكلة في الأذن أو الأعصاب، وقد تكون بسبب بعض الأمراض مثل مرض الصرع أو مشكلات متعلقة بفترة ما بعد الولادة.
اضطراب المعالجة البصرية
اضطراب المعالجة البصرية هو من الاضطرابات المرتبطة بالرؤية وفهم الرموز المكتوبة، وغالبًا ما يرتبط هذا الاضطراب بصعوبات القراءة وعسر الحساب، ومن أهم مظاهره:
- من أهم أسباب مشكلة اضطراب المعالجة البصرية وجود مشكلة في الأعصاب البصرية نفسها أو كما ذكرنا ارتباطه بمشكلات وصعوبات أخرى في التعلم.
- عدم القدرة على التمييز بين الأشكال والحروف التي بها قدر من التشابه أو إيجاد الاختلافات بين الصور والأشكال الهندسية المختلفة.
- عدم القدرة على التعامل مع ترتيب الأسطر بشكل صحيح، فيقوم الطالب بقراءة سطر قبل الآخر أو إعادة قراءة السطر نفسه أكثر من مرة.
- عدم القدرة على التعرف على الوقت والمسافات والأرقام المعبرة عن قيم حقيقية، أو صعوبة في الكتابة وعكس الأحرف.
ضعف الدافعية للتعلم
بالحديث عن صعوبات ومشكلات التعلم وأهمية طرح طرق علاج ضعف التحصيل الدراسي والوعي به، نتطرق إلى مصطلح شديد الأهمية وهو ضعف الدافعية للتعلم؛ ويمكننا وصف الدافعية بأنها المؤثرات الداخلية التي تدفع الفرد للتعلم وإحداث نمو وتطوير في شخصيته.
ضعف الدافعية للتعلم قد يكون له أسباب كثيرة، من أهمها أن تكون أسباب متعلقة لمدى فهم الطالب لأهمية التعليم وضرورته في حياته، أو المفاهيم التي تم زرعها فيه من قبل المربين سواء الوالدين أو الأسرة أو حتى المعلمين، وقد تكون الأسباب متعلقة بطرق التعليم نفسها وشعور الطالب المستمر بالملل، أو قد تكون أسباب صحية أو متعلقة ببيئة تعلم الطالب نفسه وعدم قدرته على الإنسجام مع أقرانه.
مظاهر صعوبات التعلم
قبل أن نتطرق للإجابة عن سؤال كيف تعالج صعوبات التعلم ومعرفة طرق علاج ضعف التحصيل الدراسي يمكننا تلخيص مظاهر صعوبات التعلم السابق الإشارة إليها في النقاط التالية:
- عدم القدرة على التفاعل والاندماج والميل للعزلة والانطوائية.
- مشكلات في التذكر وترديد الجمل أو تنفيذ الأوامر بشكل دقيق.
- عدم القدرة على تمييز بعض الكلمات أو وجود مشكلة في التهجئة والكتابة بشكل صحيح.
- الكتابة بشكل معكوس أو عدم ترك مسافات كافية بين الكلمات وبين الحروف.
- عدم القدرة بالعمليات الحسابية البسيطة أحيانًا والمعقدة بشكل شبه دائم.
- عدم التمييز بين الأشكال المتشابهة أو معرفة أوجه الاختلاف بينها.
- تشتت الانتباه بشكل سريع وضعف التركيز لفترات زمنية طويلة.
علاج صعوبات التعلم
رغم اختلاف أسباب ومظاهر كل مشكلة من المشكلات المرتبطة بالتعلم، إلا طرق علاج ضعف التحصيل الدراسي قد تتشابه أحيانًا، وقد تختلف في أحيان أخرى، ولمعرفة كيف تعالج صعوبات التعلم المختلفة يمكن قراءة ما يلي:
- فيما يخص صعوبة القراءة: يمكن اللجوء لتصميم ورق عمل قبل بداية الدرس لإبراز أهم المترادفات والكلمات التي قد تسبب تشتت للطفل، وإعطاء الأوامر بشكل بسيط ومتسلسل.
- لمعرفة كيف تعالج صعوبات التعلم المتعلقة بالكتابة: يجب عمل تدريبات مستمرة للطالب على الكتابة وتحسين الخط، وعمل لوحات أو كتابة الحروف والكلمات المربكة له بشكل مستمر أمامه، بالإضافة لتوضيح الفرق بين الكتابة العربية والأجنبية واتجاهاتها.
- فيما يخص طرق علاج ضعف التحصيل الدراسي المرتبط بمادة الرياضيات: شرح خطوات حل المسائل بشكل بسيط ومرتب، وتكرارها أكثر من مرة، بالإضافة لوضع خط تحت معطيات المسألة وتعلم طريقة حل المشكلات وطريقة البرهان، وإتاحة استخدام الآلة الحاسبة للتأكد من الناتج النهائي.
- فيما يخص اضطراب المعالجة السمعية: من أفضل طرق علاج التحصيل الدراسي المرتبط باضطراب المعالجة السمعية استخدام باقي حواس الطالب في عملية التعلم، فيتم إرفاق الأوامر أو الشرح بصور وفيديوهات لتعزيز عملية التعلم، وإعادة تكرار الأوامر أكثر من مرة وكتابة الملاحظات الهامة بدلًا من إلقاءها لفظيًا.
- علاج اضطراب المعالجة البصرية: كذلك لمعرفة كيف تعالج صعوبات التعلم المتعلقة باضطراب المعالجة البصرية يمكن اللجوء للحواس الأخرى لدى الطالب والأكثر نشاطًا من البصر، كالسمع والغناء واستخدام حاسة اللمس والكتابة بخط كبير وواضح.
- علاج ضعف الدافعية للتعلم: تعتبر أهم أسباب ضعف الدافعية للتعلم أسباب نفسية أو متعلقة بالبيئة المحيطة بالطالب، لذلك من طرق علاج ضعف التحصيل الدراسي له أن يتم تحسين البيئة المحيطة وتهيئته للعملية التعليمية وجعل التعلم ممتع ويلبي احتياجاته النفسية والعمرية.
بما أن لكل داء دواء، يجب الإشارة أنه هناك أمر مشترك في علاج كل المشكلات المرتبطة بعملية التعلم وهو التشخيص المبكر لكل مشكلة بشكل منفصل ومعالجة أي أسباب عضوية في البداية، بالإضافة إلى اللجوء للمختصين ومراكز الدعم التربوية لعلاج المشكلة من جذورها.